يعيش الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي أصعب أيامه منذ اندلاع الحرب فبعد أن أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب خطته لإنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وهي وثيقة حملت تحولًا صادمًا في مسار الصراع، وبدت أقرب إلى إنذار سياسي موجّه لكييف أكثر منها مبادرة سلام، حيث صيغت بلهجة حاسمة ومباشرة، وتفرض على كييف شروطًا ثقيلة اعتبرها الأوكرانيون منحازة بشكل واضح لمطالب روسيا، وتدفع البلاد نحو تسوية قسرية لا تملك فيها الكثير من هامش المناورة.
ومع الكشف عن بنود الخطة الـ28، اتّضح أن أوكرانيا أمام معادلة صعبة تتجاوز مستوى الضغط الدبلوماسي المعتاد. فالبنود، التي تتضمن قيودًا على القوة العسكرية الأوكرانية، وضمانات أمنية تُقلّص ارتباط كييف بحلف الناتو، وتجميدًا محتملًا لخطوط التماس، تشير إلى صياغة اتفاق يعيد ترتيب ميزان القوى في المنطقة على حساب السيادة الأوكرانية. وفي مواجهة هذا التحوّل، يجد زيلينسكي نفسه بين خيارين أحلاهما مُرّ: إما خسارة جزء من السيادة وما يعنيه ذلك من تراجع في مكانة الدولة وكرامتها الوطنية، أو فقدان واشنطن كحليف رئيسي وما قد يترتب على ذلك من تبعات خطيرة.
التسوية القاسية وخيارات كييف المحدودة
قبول هذه التسوية يعني دخول أوكرانيا مرحلة سياسية شديدة التعقيد، إذ تجد القيادة نفسها أمام واقع تفرضه موازين القوى وتراجع الدعم الخارجي، مقابل مجتمع منهك من الحرب وفاقد لآلاف الجنود خلال الأشهر الماضية. ومع أن التسوية قد توقف القتال، فإن كلفتها الداخلية قد تكون مرتفعة، خصوصًا داخل الشارع الأوكراني، حيث يتصاعد الغضب بين عائلات الضحايا والفئات التي ترى أن التنازلات تأتي بعد تضحيات جسيمة لم تُترجم بمكاسب ملموسة.
وفي ظل هذا المشهد، تتزايد الضغوط البرلمانية والسياسية على زيلينسكي، الذي يواجه احتمال تراجع شعبيته وظهور منافسين يستغلون اللحظة لطرح بدائل قد تعمّق الانقسام الداخلي.
أبرز ما تتضمنه التسوية المقترحة
تشتمل التسوية على مجموعة من البنود التي أثارت جدلًا واسعًا، أبرزها:
- التخلي عن الانضمام إلى الناتو
- بقاء أجزاء واسعة من الأراضي تحت السيطرة الروسية
- فرض قيود على قدرات الجيش الأوكراني
- الالتزام بحياد طويل الأمد
هذه الشروط تعيد رسم موقع أوكرانيا الإستراتيجي وتجعل منها دولة حدودية عازلة بين روسيا والغرب، ما يقلص قدرتها على المناورة لعقود قادمة.
مواصلة الحرب رغم تراجع الدعم الخارجي
على الضفة الأخرى، فإن استمرار الحرب يحمل مخاطر لا تقل خطورة، إذ تواجه أوكرانيا صعوبات كبيرة في تأمين الذخائر والمعدات الحديثة. ومع تراجع المساعدات الغربية وتباطؤ الإمدادات، تتقلص قدرة الجيش الأوكراني على الصمود، بينما تتكبد البلاد خسائر بشرية واقتصادية متزايدة.
ويرافق ذلك ضغط داخلي متنامٍ يدعو إلى إعادة تقييم إستراتيجية الحرب، في وقت يتراجع فيه التفاؤل الشعبي بإمكان تحقيق اختراق ميداني كبير.
تبعات الإنسحاب الأميركي في حال رفض كييف للتسوية
رفض خطة ترامب قد يدفع واشنطن إلى:
- وقف تبادل المعلومات الاستخباراتية الحساسة
- تجميد إمدادات السلاح والدعم اللوجستي
- تقليص التمويل العسكري والاقتصادي
هذه الخطوات ستُضعف قدرات أوكرانيا الدفاعية بشكل مباشر، وتُحدث فجوة كبيرة في الأداء الميداني، خصوصًا مع اعتماد الجيش على الأنظمة الغربية المتقدمة والدعم الفني المصاحب لها.
الموقف الروسي وتصعيد الرسائل العسكرية
على الجانب الروسي، استغلّ الكرملين الإعلان الأميركي لرفع نسق التهديدات، إذ حذّر الرئيس فلاديمير بوتين من تكرار سيناريو “كوبيانسك” على جبهات أخرى إذا رفضت كييف التسوية. وقد أكد مجددًا أن اقتراب أوكرانيا من الناتو “تهديد مباشر للأمن القومي الروسي”.
وتسعى موسكو إلى تعزيز موقعها التفاوضي عبر الضغط الميداني المستمر، مدفوعة بقناعة أن تراجع الدعم الغربي يجعل أوكرانيا أكثر هشاشة من أي وقت مضى.
الرفض الأوروبي لخطة ترامب
واجهت الخطة الأميركية رفضًا أوروبيًا واضحًا. فقد اعتبر قادة الاتحاد الأوروبي أنها “لا تصلح أساسًا لمفاوضات جدية”، وأنها تمنح موسكو امتيازات غير مستحقة.
وأكدت برلين وباريس ولندن الحاجة إلى خطة بديلة تحفظ مصالح كييف ولا تفرض عليها تنازلات أحادية. فيما حذّر مسؤولون أوروبيون من أن تمرير خطة بهذا الشكل قد يقوّض أمن القارة ويشجع روسيا على توسيع نفوذها.
خاتمة
يبدو زيلينسكي محاصرًا بين تسوية قسرية قد تُفقد أوكرانيا جزءًا من سيادتها، وحرب طويلة تستنزف قدراتها في ظل تراجع دعم الحلفاء. وبين إنذار واشنطن وضغوط موسكو وتحفظات أوروبا، تدخل الحرب فصلًا جديدًا عنوانه الأبرز: إعادة رسم قواعد الصراع على حساب الطرف الأضعف سياسيًا وعسكريًا.

