في واحدة من أكثر الجلسات سخونة منذ بداية العام، شهد البرلمان الألماني مواجهة كلامية حادة بين المستشار الألماني فريدريش ميرتس ورئيسة حزب البديل من أجل ألمانيا أليس فايدل، حيث تعالت صيحات الاستهجان والتصفيق داخل القاعة،ما دفع رئاسة البرلمان إلى التدخل أكثر من مرة لإعادة الانضباط إلى الجلسة ، وتبادل الطرفان الاتهامات وسط أجواء مشحونة لم تخلُ من همسات غاضبة وبعض الشتائم المكتومة
فايدل : الهجرة سبب كل الأزمات والحكومة فاشلة
بمجرد صعودها للمنصة بدات أليس فايدل هجومها على الحكومة و شبهتها بسفينة «تيتانيك» التي بدأت بالغرق . معتبرة أن ما يجري في ملف الهجرة هو «انهيار كامل لسيادة الدولة»، واتهمت الائتلاف الحاكم بالعجز والتراخي وترك الحدود «مشرّعة عمليًا» أمام تدفق المهاجرين غير النظاميين، قائلة إن المواطن الألماني هو من يدفع الثمن المباشر عبر تآكل الخدمات العامة وارتفاع تكاليف السكن والضغط على المدارس والمستشفيات، وأضافت أن الحكومة «تفقد السيطرة يومًا بعد يوم» على الأمن الداخلي، محمّلة منظومة الحكم بأكملها مسؤولية ما وصفته بـ«الفشل المتراكم» في إدارة أحد أخطر الملفات التي تمس الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي للبلاد. وشددت على أن الأمن الداخلي «يدفع الثمن الأكبر» مع تصاعد الجرائم المرتبطة – على حد تعبيرها – بالهجرة غير المنضبطة، معتبرة أن ما يجري هو «فشل سياسي كامل» تتحمل الحكومة مسؤوليته المباشرة،
وفي مقابل هذا التشخيص الحاد، طرحت فايدل حزمة إجراءات صارمة اعتبرتها «الحد الأدنى لإنقاذ الوضع»، تقوم على الإغلاق الفوري والفعلي للحدود في وجه الهجرة غير النظامية، والتسريع الشامل في ترحيل المخالفين، ووقف أي سياسات استقبال جديدة إلى حين «استعادة السيطرة الكاملة للدولة»، كما دعت إلى تشديد القوانين الجنائية المرتبطة بالهجرة وربط المساعدات الاجتماعية بشروط صارمة، مؤكدة أن هذه الإجراءات وحدها كفيلة – وفق رؤيتها – بإعادة الأمن وضبط الإنفاق العام، وهو الطرح الذي يعكس الخط المتشدّد الذي يتبناه حزب البديل من أجل ألمانيا في هذا الملف.
ميرتس : الهجرة ليست سبب كل أزمات ألمانيا… ويكفي من الأكاذيب وتضليل الرأي العام
في إتهام صريح لرئيسة حزب البديل بالكذب و بتضليل الراى العام قال ميرتس : لا أحد، حتى في ظل الديمقراطية، مُطالب بتحمّل الأكاذيب والافتراضات الخاطئة والتجريح الشخصي من دون رد واضاف أن تحميل ملف الهجرة وحده مسؤولية جميع أزمات البلاد «يُضلّل الرأي العام أكثر مما يفتح طريقًا لحلول واقعية» .
وشدد على أن تشبيه الحكومة بسفينة «تيتانيك» هو تشبيه «كارثي ومضلِّل ولا يعكس الواقع» ، كما رفض الصورة القاتمة التي رسمتها أليس فايدل عن وضع البلاد، لأن هذا النهج في تصوير الوضع بشكل يوحى بانهيار الدولة هو مبالغة خطيرة تهدف إلى إثارة التوترات والمخاوف أكثر من إيجاد الحلول. وأكد أن الأزمات الكبرى لا يمكن التغلب عليها بالدعاية والاتهامات العامة، بل من خلال تدابير عملية يتم تنسيقها في إطار الدستور الأوروبي القائم. وأضاف بشكل قاطع أن عمل الحكومة يتم في إطار ”أوروبي ودستوري لا يمكن تجاوزه“.
كما اعتبر ميرتس أن اختزال كل الأزمات التي تواجهها ألمانيا في ملف الهجرة وحده يُعد تبسيطًا مفرطًا يربك فهم المواطنين للواقع أكثر مما يساعدهم على إدراك المشكلة أو الوصول إلى حلول لها، مشددًا في الوقت نفسه على أن الحكومة لا تتخذ قراراتها بدافع الشعارات أو الانفعالات، بل وفق حسابات قانونية وسياسية مسؤولة.،
ولم يتوقف السجال بين الطرفين عند الهجرة . بل امتد إلى الوضع الاقتصادي، حيث استندت فايدل إلى ارتفاع الأسعار وتباطؤ النمو كدليل على “فشل السياسات الحكومية”، في حين ركّز ميرتس على تأثير الأزمات الدولية، من الحرب في أوكرانيا إلى اضطرابات سلاسل الإمداد العالمية، معتبرًا أن الضغوط الاقتصادية ليست ظاهرة ألمانية فقط، بل جزء من سياق دولي أوسع.
في المحصلة، لم تكن هذه المواجهة مجرد تبادل اتهامات بين شخصين، بل صورة مصغّرة لصراع سياسي أوسع حول اتجاه السياسات العامة في ألمانيا خلال المرحلة المقبلة، وخاصة في ملفات الهجرة والاقتصاد والأمن، وهي ملفات ستظل في قلب النقاش البرلماني والإعلامي خلال الفترة القادمة.

