يبدو أن موسكو تتعامل مع الخطة الأوروبية البديلة لخطة ترامب كأنها مجرد ضجيج جانبي حول الطاولة لا أكثر. فبينما تسوّق عواصم أوروبية لما وصفته بالمقترح البناء ، تتصرّف روسيا بثقة كبيرة توحي بأنها ترى في هذا التحرك محاولة يائسة من أوروبا لإثبات حضورٍ لم يعد أحد يأخذه على محمل الجد في الملف الأوكراني
رد روسي باهت يكشف مستوى الاهتمام الحقيقي
ففي الوقت الذي كانت تنتظر فيه بروكسل ردًا رسميًا من الكرملين، جاء الرد الروسي خافتًا، باهتًا، ومن مسؤول لا يكاد يُعرف خارج الدوائر الدبلوماسية ليعلن ببساطة أن «الخطة الأوروبية غير بنّاءة ولا تناسب روسيا»— و وفق تسريبات دبلوماسية روسية، ترى موسكو أن الخطة الأوروبية «غير واقعية ولا تستند إلى ميزان القوى العسكري الفعلي»، بل إن بعض الدوائر القريبة من الكرملين تعتبر أن «أوروبا تحاول قيادة ملف لم تعد تملك أدواته».
اقتناع روسي مبدئى بالخطة الأميركية
على النقيض تمامًا، جاء الموقف الروسي تجاه المقترح الأميركي—المعروف إعلاميًا بخطة ترامب—أكثر مرونة. فقد أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وقال
«الصيغة الأولية المقترحة من الجانب الأميركي تتماشى مع المناقشات التي جرت في قمة ألاسكا»، مؤكدًا أن الخطة يمكن «من حيث المبدأ أن تكون أساسًا لتسوية سلمية نهائية».
هذا الانفتاح السياسي ليس مجاملة دبلوماسية، بل ترجمة روسية مباشرة لما تعتقد انه تفوق ميداني لصالح قواتها واعتقادها أن أي تسوية يجب أن تعكس واقع السيطرة على الأرض. وتعزّز هذا الاتجاه بما تسرب من المكالمة التي جرت بين الرئيس الروسي فلادمير بوتين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان . حيث أكد بوتين لنظيره التركي على اهتمام موسكو بـ«التوصل إلى حل سياسي ودبلوماسي للأزمة الأوكرانية»، وهو ما يعكس أن قبول روسيا المبدئي لخطة ترامب كجزء من مقاربة تفاوضية حقيقية،
هل هو احتقار أم مناورة لتجنّب مواجهة؟
وفي هذا السياق، يطرح تجاهل بوتين للخطة الأوروبية سؤالًا جوهريًا: هل هو احتقار سياسي صريح أم خطوة محسوبة لتجنّب مواجهة مباشرة مع أوروبا في وقت ما زالت فيه مئات المليارات من الأموال الروسية مجمدة لديها؟ خصوصًا أن الرد عبر «مسؤول من الدرجة الثالثة» يمنح موسكو هامش المناورة: يمكن تأكيده أو تعديله أو حتى إنكاره بسهولة إذا اقتضت الحاجة.
الخاتمة
وسط هذه الصورة المعقدة، يتقدّم سؤال أكبر لا يمكن تجاهله: هل تتجه الحرب إلى جولة أطول من التصعيد، أم أن بوادر نهايتها تلوح من خلال الانفتاح الروسي على المقترح الأميركي؟ فالتردد الأوروبي، والانفتاح الروسي الحذر، والإشارات الأميركية المتضاربة، كلها عناصر تجعل مستقبل الحرب مفتوحًا على أكثر من احتمال. لكن وسط هذا التباين الواضح بين ثقة أوروبا في أدواتها وتمسّكها بموقفها المبدئي الداعم لأوكرانيا، وبين رهان موسكو على قوة الأمر الواقع وميزان القوى الميداني… يبقى السؤال الأكثر إلحاحًا: هل تجاهل موسكو للخطة الأوروبية تعبير عن قناعة راسخة بضعف هذه الخطة، أم أنه مناورة تكتيكية لتجنّب مواجهة مباشرة مع بروكسل في لحظة سياسية شديدة الحساسية؟

