الرفضُ بالإجماع كان السمة الأبرز في ردّ أوروبا على خطة ترامب لإنهاء الحرب في أوكرانيا، إذ رأت العواصم الأوروبية أن المقترح الأميركي يقترب من تسوية مفروضة تمنح موسكو تفوقًا سياسيًا وعسكريًا غير مقبول. وأجمعت دول الاتحاد على أن الصيغة المطروحة غير قابلة للتطبيق ولا يمكن اعتمادها أساسًا لأيّ مفاوضات جدّية.
مخاوف من اتفاق لا يضمن الأمن الأوروبي
ترى الحكومات الأوروبية أن البنود الـ28 التي تضمّنتها خطة ترامب لا تمنح أوكرانيا ما يكفي من ضمانات أمنية، ولا توفّر الحد الأدنى من التوازن المطلوب لأي حل سياسي. وتعتبر دول أوروبا الشرقية، وخاصة بولندا ودول البلطيق، أن تطبيق الخطة بصيغتها الحالية قد يرسّخ مكاسب روسيا الميدانية ويشكّل سابقة تهدد أمن القارة على المدى الطويل.
وتتخوف هذه الدول من أن يتحول الاتفاق إلى وثيقة تُضعف قدرة أوكرانيا الدفاعية، وتحد من ارتباطها بالناتو، وتفرض عليها قبول واقع جغرافي وسياسي لم تكن لتقبله في الظروف الطبيعية.
برلين: الخطة تحتاج مراجعة عميقة
في ألمانيا، جاء الموقف واضحًا بأن الخطة الأميركية لا توفّر إطارًا يمكن البناء عليه. إذ شدّد المسؤولون الألمان على أن أي تسوية يجب أن تحافظ على سيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها، وأن الحلول المفروضة أو غير المتوازنة لن تساهم في استقرار الوضع الأمني في أوروبا. وترى برلين أن المقترح الأميركي بحاجة إلى “مراجعة معمّقة” قبل اعتباره أساسًا للتفاوض.
باريس: لا تسوية دون موافقة كييف
فرنسا كانت أكثر صراحة، مؤكدة أن الموافقة الأوكرانية ليست تفصيلًا يمكن تجاوزه في أي خطة سلام. وترى باريس أن أي اتفاق يُفرض على كييف من الخارج لن يكون قابلًا للاستمرار، وأن تجاهل مصالح الدولة المعتدى عليها سيخلق اختلالًا استراتيجيًا قد يعقّد الأزمة بدل حلّها.
بريطانيا: انحياز واضح لصالح موسكو
أما بريطانيا، فاعتبرت أن خطة ترامب تميل بشكل واضح إلى تلبية المطالب الروسية، خصوصًا البنود المتعلقة بتقليص قدرات الجيش الأوكراني وتجميد مسار الانضمام للناتو. وترى لندن أن مثل هذا الطرح يضعف أوكرانيا ويمنح روسيا هامشًا واسعًا لتثبيت نفوذها الإقليمي.
الاتحاد الأوروبي: أمن القارة ليس قابلًا للتجربة
في بروكسل، بدا الموقف موحّدًا إلى حد كبير. فقد أكد مسؤولو الاتحاد الأوروبي أن أي اتفاق لا يعالج الجذور الأمنية للنزاع لن يكون قابلًا للحياة، وأن أوروبا لا تستطيع القبول بتسوية تُضعف بنية الأمن الجماعي. كما حذر الاتحاد من سابقة “التنازل عن أراضٍ تحت الضغط العسكري”، لما قد تحمله من تداعيات على مناطق أخرى.
كييف بين الضغط الأميركي والدعم الأوروبي
بالنسبة لأوكرانيا، فإن الرفض الأوروبي يشكل عنصر دعم مهم في مواجهة الضغوط الأميركية. فقبول الخطة بصيغتها الحالية قد يعرّض القيادة الأوكرانية لأزمة سياسية داخلية، خاصة مع ما تتضمنه البنود من تنازلات تتعلق بالأراضي والسيادة والقدرة العسكرية. وبذلك يمنح الموقف الأوروبي كييف مساحة للتفاوض وتخفيف الضغط الخارجي.
إتساع الفجوة بين الحليفين الغربيين
تكشف هذه التطورات عن اتساع الفجوة بين واشنطن وأوروبا في قراءة مسار الحرب. ففي حين تسعى الإدارة الأميركية الحالية إلى تسوية سريعة، تتمسك أوروبا بمقاربة أكثر حذرًا، تُعلي من شأن الأمن الإقليمي والاستقرار بعيد المدى. وبين هذين المسارين، يبقى مستقبل الحرب مرتبطًا بقدرة الحلفاء على صياغة موقف موحّد، وهو ما يبدو اليوم أبعد من أي وقت مضى.

